دليل الحياة الزوجية الناجحة (4)

دليل الحياة الزوجية عند المسلمين (4 - 4)



إنَّ رباط العلاقة الزوجيَّة في الإسلام هو من أقدس وأوثَق ما وصَّى الله تعالى به المسلمين، ووصَّاهم به النَّبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولم يترك كتاب الله تعالى، ولا سُنَّة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نقيرًا ولا قِطمير إلَّا وبيَّناه بيانًا لا لبس فيه ولا غموض، (القطمير: قِشْرة رقيقة بيضاء بين النواة والثمرة).

 ومن الملاحظ أنَّ الله تعالى قد أطلق على هذه العلاقة ﴿ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، ولِمَ لا، وهي العلاقة التي سينبني عليها الحبُّ والمودة والرحمة؟
 ومن الملاحظ أيضًا أنَّ هذه الصِّلة قد أطلق عليها "صلة مُصاهرة"، ولِمَ لا؟ فإن هناك كيانين سيتم صهرهما ليكونَا كيانًا واحدًا في المشاعر والتفاهم وكل شيء.
 ومن الملاحظ كذلك أنَّ هذه العلاقة قد أُطلق عليها "علاقة نسب"، ولمَ لا؟ فالأنساب ستلتقي وتتقارب وتتوحَّد بمجرَّد إتمام هذا الميثاق الغليظ.

تحدثنا - بفضل الله تعالى - في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:
1- بعض الآيات التي وردَت في كتاب الله تعالى لضبط الحياة الزوجية.
2- بعض الأحاديث التي وردَت في السنة النبوية المطهَّرة لضبط الحياة الزوجية.
3- أفضل صفات الرجال وأبغضها.

كما تحدثنا - بفضل الله تعالى - في الجزء الثاني من هذا الموضوع عن:
4- وصية جامعة من الإمام أحمد بن حنبل لابنه يوم زواجه.
5- وصية أب لزوج ابنته قبل زفافهما.
6- وصية الربيع بن خثيم لابنه قبل زفافه.

وكذلك تحدثنا - بفضل الله تعالى - في الجزء الثالث من هذا الموضوع عن:
7- حكيم يصف خير النساء وشرهن.
8- وصية جامعة في شر صفات النساء.
9- وصية معاصرة من أم لابنها بمناسبة زفافه.

وبقي لنا أن نتحدَّث - بفضل الله تعالى - في الجزء الرابع والأخير من هذا الموضوع عن:
10- وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف قبل زفافها:
خطب عمرو بن حجر ملك كندة أمَّ إياس بنت عوف بن مُحَلِّمٍ الشيباني، ولما حان زفافها إليه، خلَت بها أمُّها أُمامةُ بنت الحارث، فأوصَتها وصيَّةً تبيِّن فيها أُسس الحياة الزوجية السعيدة، وما يجِب عليها لزوجها، فقالت:
 أيْ بُنية، إنَّ الوصية لو تُرِكَتْ لفضل أدب، تُرِكت لذلك منك، ولكنها تَذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنَت عن الزَّوج لغنى أبويها، وشدَّة حاجتهما إليها، كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرِّجال خُلِقن، ولهنَّ خُلق الرِّجال.
 أيْ بُنية، إنَّك فارقتِ الجو الذي منه خرجتِ، وخلَّفت العشَّ الذي فيه درجت، إلى وكرٍ لم تَعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبًا ومليكًا، فكوني له أمَةً يكن لك عبدًا وشيكًا، واحفظي له خِصالًا عشرًا يكن لك ذخرًا:
 أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السَّمع والطاعة.
 أما الثالثة والرابعة: فالتفقُّد لمواضع عينه وأنفِه؛ فلا تقع عينه منكِ على القبيح، ولا يَشَم منك إلَّا أطيبَ الريح.
 وأما الخامسة والسادسة: فالتفقُّد لوقت منامه وطعامه؛ فإنَّ حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
 أما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء (الرعاية) على حشمه (خدمه) وعيالِه، وملاك الأمر في المال حسنُ التقدير، وفي العيال حسنُ التدبير.
• وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًّا؛ فإنَّك إن خالفتِ أمرَه أوغرتِ صدره، وإن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غدره، ثمَّ إياكِ والفرح بين يديه إن كان مُهتمًّا، والكآبة بين يديه إن كان فرحًا.
ثمَّ اتَّقي - مع ذلك - الفرحَ بين يديه إذا كان ترحًا، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا؛ فإنَّ الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.
 وكوني أشد ما تكونين له إعظامًا، يكن أشد ما يكون لكِ إكرامًا.
 وكوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لكِ مرافَقة.
 واعلمي أنَّكِ لا تصِلين إلى ما تحبِّين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواكِ فيما أحببتِ وكرهتِ.

11- وصية أبي الأسود لابنته قبل زفافها:
جاء في "عيون الأخبار" لابن قتيبة أنَّ أبا الأسود نصَح ابنتَه قبل زفافها قائلًا: "إيَّاكِ والغَيْرةَ؛ فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، وأزينُ الزينة الكحل، وعليك بالطِّيب، وأطيبُ الطيب إسباغ الوضوء".

12- وصية عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لابنته عند الزواج:
أوصى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ابنتَه فقال:
 إياكِ والغيرة؛ فإنَّها مفتاح الطلاق.
 وإياكِ وكثرة العتب؛ فإنه يورث البغضاء.
 وعليك بالكحل؛ فإنَّه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء.

13- وهذا حكيم ينصح ابنته قبل زفافها قائلًا:
 تذرَّعي بالصبر إذا غضِب ولا تستفزيه؛ فليس أبغض إلى الرجل من امرأة تصبُّ زيت حماقتها على نار غضبه فتزيده تأجُّجًا.
 تقرَّبي إليه بعد أن تَهدأ ثورته بساعات، وعاتبيه في حنان ورفق، وراجعيه في تواضع وأدب، فليس أعز على قلب الرجل من امرأة تَعرف كيف تقهر بشمس العقل ظلمةَ الغضب.
 أطيعيه إلَّا فيما يُغضب الله، وشاركيه في فِكره، ولكن سلِّمي بأن عقله أغزر مادة من عقلك؛ فليس أقرب إلى نفس الرجل من امرأة تَلزم حدَّها، وتعترف بضعفها، وتهتدي بهدي الزوج، وتعتبره حاميها ومرشدها.
 تجمَّلي من أجله بأيسر كلمة وأوفر مجهود، وجمِّلي بيتك أيضًا ما استطعتِ؛ فليس أحب إلى الرجل من امرأة أنيقة تمرح أمامه في إطار جميل.
 لا تطمعي في ماله؛ بل اطمعي في حبِّه، وإلَّا أبغضك لأنانيتك وطمعك، وانصرف عنكِ لغيرك.
 أحسِني تربيةَ أولاده فهم في حبِّه؛ وإلَّا أبغضك لأنانيتك، واعلمي أنَّ أمانة أسرتك هي أمانة لوطنك.
 ابنتي، هذه وصيَّتي - يا حبيبة - في يوم عرسك، فإذا شئتِ أن تكوني سعيدة في زواجك، فاعملي بوصيَّتي يجزِك الله الخيرَ في حياتك، وترعَ عنايتُه بيتك، وتحل بركته عليك وعلى زوجك وأولادك.

14- أب ينقل وصيَّة لزوجة ابنه عن طريق أمها:
زوَّج رجل ابنتَه من ابن أخيه، فلمَّا أراد تحويلها قال لأمِّها: مُري ابنتك ألَّا تنزل مغارة إلا ومعها ماء؛ فإنَّه للأعلى جلاء، وللأسفل نقاء، ولا تُكثر مُضاجعته؛ فإنه إذا ملَّ البدن، ملَّ القلب، ولا تمنعه شهوتَه؛ فإنَّ الحظوة في الموافقة.

15- وصية أبي الدرداء رضي الله عنه لامرأته:
قال أبو الدَّرداء رضي الله عنه لامرأته: "إذا رأيتني غضبتُ فرَضِّني، وإذا رأيتكِ غضبى رضَّيتُكِ، وإلَّا لم نصطحب".

 وقال أحد الأزواج لزوجته:
خذي العفوَ منِّي تستديمي مودَّتي 
ولا تنطقي في سَوْرتي حين أغضبُ 
ولا تنقريني نقرك الدف مرَّة 
فإنَّكِ لا تدرين كيف المغيَّبُ 
ولا تكثري الشَّكوى فتذهب بالقوى 
ويأباكِ قلبي والقلوبُ تقلَّبُ 
فإنِّي رأيتُ الحبَّ في القلب والأذى 
إذا اجتمعا لم يَلبثِ الحبُّ يذهبُ 

16- وصية معاصرة من أم لابنتها قبل زفافها:
أوصَت أمٌّ ابنتَها قبل زفافها، فقالت:
 يا بُنيتي، أنتِ مقبلة على حياة جديدة، حياة لا مَكان فيها لأمِّكِ أو أبيك أو لأحد من إخوتك، تصبحين صاحبةً لرجل لا يريد أن يشاركه فيكِ أحد، حتى لو كان من لحمك ودَمِك، كوني له زوجةً يا ابنتي، وكوني له أمًّا، اجعليه يَشعر أنَّكِ كل شيء في حياته، وكل شيء في دنياه.
 اذكري دائمًا أنَّ الرجل - أي رجل - طِفل كبير، أقل كلمة حلوة تُسعِده، لا تجعليه يَشعر أنه بزواجه منكِ قد حرمَكِ من أهلك وأسرتك، إنَّ هذا الشعور قد ينتابه هو، فهو أيضًا قد ترك بيتَ والديه وترك أسرتَه من أجلك، ولكن الفرق بينكِ وبينه هو الفرق بين الرجل والمرأة.
 المرأة تحن دائمًا إلى أسرتها، إلى بيتها الذي ولدَت فيه، ونشأَت وكبرَت وتعلَّمَت، ولكن لا بد لها أن تعوِّد نفسها على هذه الحياة الجديدة، لا بدَّ لها أن تكيِّف حياتها مع الرجل الذي أصبح لها زوجًا، وراعيًا، وأبًا لأطفالها.
 هذه هي دنياكِ الجديدة يا ابنتي، هذا هو حاضركِ ومستقبلكِ، هذه هي أسرتك التي شاركتما - أنت وزوجكِ - في صنعها، أمَّا أبواك، فهما ماضٍ.
 إنني لا أطلب منكِ أن تنسي أباك وأمَّكِ وإخوتك؛ لأنهم لن ينسوكِ أبدًا، كيف تنسى الأمُّ فلذةَ كبدها؟! ولكنَّني أطلب منكِ أن تحبي زوجكِ وتعيشي له وتسعدي بحياتك معه.

 وأخيرًا: هذه وصايا جامِعة، تحمل في طيَّاتها وبين ثناياها دستورًا متكاملًا لكلِّ حياة زوجيَّة ناجحة.

وهذه الوصايا غير قابلة للاختِزال أو الانتقاء؛ وذلك لأنَّ أي تهاون سوف يترتَّب عليه اعوجاج يَنتقل مباشرة للأولاد، فتكون الطامَّة الكبرى؛ لأنَّه كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!

 ونحن الآن ما أحوجنا لبيتٍ يكون مصنعًا لجيل يُحيي مَوات أمَّة، ويبعث فيها الروح من جديد، ويُوقِظ هذا اللَّيث الجفول الذي ينتظر يقظته العالَمُ بأسره؛ ليُخرج الناسَ من عبادة العبادِ إلى عبادة ربِّ العباد، ومن جَور الأديانِ إلى عَدل الإسلام، ومن ضِيق الدنيا إلى سَعة الدنيا والآخرة.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

0 التعليقات:

الحقوق محفوظه الصحة والطبيعة