دليل الحياة الزوجية الناجحة (2)

دليل الحياة الزوجية الناجحة (2 - 4)


إنَّ رباط العلاقة الزوجية في الإسلام هو من أقدَس وأوثق ما وصَّى الله تعالى به المسلمين، ووصَّاهم به النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولم يترك كتاب الله تعالى، ولا سُنَّة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نقيرًا ولا قِطمير إلَّا وبيناه بيانًا لا لبس فيه ولا غموض، (القطمير: قِشْرة رقيقة بيضاء بين النواة والثمرة).

 ومن الملاحظ أنَّ الله تعالى قد أطلق على هذه العلاقة ﴿ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، ولم لا، وهي العلاقة التي سينبني عليها الحبُّ والمودة والرحمة؟

 ومن الملاحظ أيضًا أنَّ هذه الصِّلة قد أطلق عليها "صلة مُصاهرة"، ولِم لا؟ فإن هناك كيانين سيتم صهرهما ليكونًا كيانًا واحدًا في المشاعر والتفاهم وكل شيء.

 ومن الملاحظ كذلك أنَّ هذه العلاقة قد أُطلق عليها "علاقة نسب"، ولم لا؟ فالأنساب ستلتقي وتتقارب وتتوحَّد بمجرَّد إتمام هذا الميثاق الغليظ.

 لقد تحدَّثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع - بفضل الله تعالى - عن:
1- بعض الآيات التي وردَت في كتاب الله تعالى لضبط الحياة الزوجية.
2- بعض الأحاديث التي وردَت في السنَّة النبويَّة المطهرة لضبط الحياة الزوجية.
3 - أفضل صِفات الرجال وأبغضها.

 وسنتحدَّث بفضل الله تعالى في الجزء الثاني من هذا الموضوع عن:
4- وصية جامعة من الإمام أحمد بن حنبل لابنه يوم زواجه:
أوصى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ابنَه يوم زواجه، فقال: أي بني، إنَّك لن تنال السعادةَ في بيتك إلَّا بعشر خِصال تمنحها لزوجك فاحفظها عنِّي واحرص عليها:
 أما الأولى والثانية: فإنَّ النِّساء يحببنَ الدلال، ويحببن التصريح بالحبِّ، فلا تبخل على زوجتك بذلك؛ فإن بخلتَ جعلتَ بينك وبينها حِجابًا من الجفوة ونقصًا في المودة.

 وأما الثالثة: فإنَّ النساء يكرهنَ الرجل الشديد الحازم، ويستخدمنَ الرجل الضعيف اللين، فاجعل لكلِّ صِفة مكانها؛ فإنه أدْعى للحبِّ وأجْلب للطمأنينة.

 وأما الرابعة: فإنَّ النساء يُحببنَ من الزوج ما يحب الزوج منهنَّ؛ من طِيب الكلام، وحُسن المنظر، ونظافة الثياب، وطيب الرائحة، فكن في كلِّ أحوالك كذلك.

 وأما الخامسة: فإنَّ البيت مَملكة الأنثى، وفيه تشعر أنَّها مُتربعة على عرشها، وأنها سيِّدة فيه، فإيَّاك أن تَهدم هذه المملكة التي تَعيشها، وإياك أن تحاول أن تزيحها عن عرشها هذا، فإنَّك إن فعلتَ نازعتَها مُلكَها، وليس لملكٍ أشد عداوةً ممَّن ينازعه مُلكه وإن أظهر له غير ذلك.

 وأما السادسة: فإنَّ المرأة تحبُّ أن تكسب زوجها ولا تخسر أهلها، فإيَّاك أن تجعل نفسك مع أهلها في ميزان واحد، فإمَّا أنت وإمَّا أهلها، فهي وإن اختارتك على أهلها فإنَّها ستبقى في كمدٍ تُنقل عَدْواه إلى حياتك اليومية.

 وأما السابعة: إنَّ المرأة خُلِقت مِن ضِلعٍ أعوج، وهذا سرُّ الجمال فيها، وسرُّ الجذب إليها، وليس هذا عيبًا فيها "فالحاجِب زيَّنه العِوَجُ"، فلا تحمل عليها إن هي أخطأَت حملةً لا هوادة فيها تحاول تقويم المعوجِّ فتكسرها، وكسرها طلاقها، ولا تتركها إن هي أخطأَت حتى يزداد اعوِجاجها وتتقوقع على نفسها، فلا تلين لك بعد ذلك ولا تسمع إليك، ولكن كن دائمًا معها بين بين.

 وأما الثامنة: فإنَّ النِّساء جُبلنَ على كُفر العشير وجُحْدان المعروف، فإن أحسنتَ لإحداهنَّ دهرًا ثمَّ أسأت إليها مرَّة قالت: ما وجدتُ منك خيرًا قط، فلا يحملنَّك هذا الخُلق على أن تكرهها وتنفر منها، فإنَّك إن كرهتَ منها هذا الخلق رضيت منها غيره.

 وأما التاسعة: فإنَّ المرأة تمرُّ بحالات من الضَّعف الجسدي والتعب النَّفسي، حتى إنَّ الله سبحانه وتعالى أسقط عنها مجموعةً من الفرائض التي افترضها في هذه الحالات؛ فقد أسقط عنها الصلاة نهائيًّا في هذه الحالات، وأنسأ لها الصيام خلالها حتى تعود صحَّتها ويَعتدل مزاجها، فكن معها في هذه الأحوال ربانيًّا؛ كما خفَّف الله سبحانه وتعالى عنها فرائضَه أن تخفِّف عنها طلباتك وأوامرك.

 وأما العاشرة: فاعلم أنَّ المرأة أسيرة عندك، فارحم أسرها، وتجاوز عن ضعفها تكن لك خير متاع وخير شريك.

 خبرني بالله عليك، أي دينٍ وأي شريعة رفعَت للمرأة قدرها وحفظَت شأنها مثلما فعلَت شريعتنا السمحة الغراء؟!

5 - وصية أب لزوج ابنته قبل زفافهما: خطب عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان إلى عمه عتبة ابنتَه، فأجلسه بجانبه، وأخذ يمسح على رأسه ثم قال: أقرب قريب، خطب أحب حبيب، لا أستطيع له ردًّا، ولا أجد من إسعافه بُدًّا، قد زوَّجتكما وأنت أعزُّ عليَّ منها، وهي ألصق بقلبي منك، فأكرِمها يَعذب على لساني ذكرك، ولا تهنها فيصغر عندي قدرك، وقد قرَّبتُك مع قربك، فلا تُبعد قلبي من قلبك.

6- وصية الربيع بن خيثم لابنه قبل زفافه: جاء في كتاب "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء"؛ لابن حبَّان البستي، أنَّ الربيع بن خيثم أوصى ابنه قائلًا:
 يا بني، إنَّ زوجة الرجل سكنه، ولا عيش له مع خلافها، فإذا هممتَ بنِكاح امرأة فسَل عَن أهلها؛ فإنَّ العروق الطيبة تنبت الثِّمار الحلوة.

 واعلم أنَّ النساء أشد اختلافًا من أصابع الكفِّ، فتوقَّ منهنَّ كل ذات بذا مجبولة على الأذى، فمنهنَّ المُعجبة بنفسها المزرية ببَعلها، إن أكرمها رأَته لفضلها عليه؛ لا تشكر على جَميل، ولا ترضى منه بقليل، لسانها عليه سيف صقيل، قد كشفت القحة[1] ستر الحياء عَن وجهها، فلا تستحي من إعوارها[2]، ولا تستحي من جارها، كلبة هرارة[3]، مهارشة[4] عقارة، فوجه زوجها مكلوم وعرضه مشتوم، ولا ترعى عليه لدِين ولا لدنيا، ولا تحفظه لصُحبةٍ ولا لكثرة بنين، حجابه مَهتوك، وسِتره مَنشور، وخيره مدفون، يصبح كئيبًا ويُمسي عاتبًا، شرابه مرٌّ، وطعامه غيظ، وولده ضياع، وبيته مُستهلك، وثوبه وسخ، ورأسه شعث، إن ضحك فواهِن، وإن تكلَّم فمتكاره، نهاره ليل، وليله وَيل، تلدغه مثل الحيَّة العقارة، وتلسعه مثل العقرب الجرارة.

 ومنهن شفشليق[5]، شعشع[6] سلفع[7]، ذات سمٍّ منقع، وإبراق[8] واختلاق[9]، تهبُّ مع الرِّياح، وتطير مع كل ذي جناح[10]، إن قال: لا، قالت: نعم، وإن قال: نعم، قالت: لا، مولدة لِمخازيه، محتقرة لما في يديه، تضرب له الأمثالَ، وتقصر به دون الرجال، وتنقله من حالٍ إلى حال، حتى قلا (هجر) بيته، ومَلَّ ولدَه، وغث عيشَه، وهانت عليه نفسه، وحتى أنكره إخوانُه، ورحمه جيرانه.

 ومنهن الورهاء[11] الحمقاء، ذات الدلِّ في غير موضعها[12]، الماضغة للسانها، الآخذة في غير شأنها، قد قنعَت بحبِّه ورضيَت بكسبه[13]، تأكل كالحمار الرَّاتع، تنتشر الشمس ولما يسمع لها صوت، ولم يكنس لها بيت، طعامها بائت، وإناؤها وضر[14]، وعجينها حامض، وماؤها فاتر، ومتاعها مزروع[15]، وماعونها مَمنوع، وخادمها مَضروب، وجارها محروب.

 ومنهنَّ العطوف الودود، المباركة الوَلود، المأمونة على غيبها، المحبوبة في جيرانها، المحمودة في سرِّها وإعلانها، الكريمة التبعُّل، الكثيرة التفضُّل، الخافضة صوتًا، النظيفة بيتًا، خادمها مسمن، وابنها مزين، وخيرها دائم، وزوجها ناعم، موموقه[16] مألوفة، وبالعفاف والخيرات موصوفة.

 جعلك الله يا بني ممَّن يَقتدي بالهدى، ويأتمُّ بالتقى، ويجتنب السخط، ويحب الرِّضى.
والله خليفتي عليك، والمتولِّي لأمرك، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد نبي الهدى، وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

 وللحديث بقية في الجزء الثالث من هذا الموضوع - بفضل الله تعالى - لنتحدث عن:
7- حكيم يصف خير النساء وشرهنَّ.
8- وصية جامعة في شرِّ صفات النساء.
9- وصية معاصرة من أمٍّ لابنها بمناسبة زفافه.


[1] القحة: قلَّة الحياء والاجتراء على اقتراف القبائح.
[2] إعوارها: الإعوار: الخلل، الإعوار هو: العجز عن ردِّ العدوان.
[3] هرارة: نباحة.
[4] مهارشة: مفسدة بين الناس، التَّهريشُ بين النَّاس: الإفسادُ بينهم.
[5] شفشليق: المرأة العجوز المسترخية.
[6] شعشع: طويلة، امرأة شعشع: التي تبادر بالهجوم واختلاق المشكلات.
[7] سلفع: السَّلْفَعُ من النِّساءِ: السليطة البَذيئَةُ السَّيِّئَةُ الخُلُقِ.
[8] إبراق: تهديد "جَاءَ يُبْرِقُ وَيُرْعِدُ: يُوعِدُ وَيُهَدِّدُ".
[9] اختلاق: ادعاء وافتراء.
[10] تهب مع الرياح وتطير مع كل ذي جناح: دلالة على عدَم الثبات على رأي، وسرعة التأثر بآراء الآخرين.
[11] الورهاء: كثيرة الشحم - خرقاء بلهاء - متعجرفة.
[12] ذات الدل في غير موضعها؛ أي: دلال مبالغ فيه ممقوت.
[13] قنعت بحبه ورضيَت بكسبه: دلالة على الفتور في العاطفة والتبلد في المشاعر.
[14] وضر: الوضر هو بقية الدهن والدسم في الإناء، وهذا دليل على الإهمال في شؤون البيت.
[15] متاعها مزروع؛ أي: متاع بيتها متروك مُهمل، ينبت فيه العشب من كثرة التراب المتراكم عليه.
[16] موموقة: ودود، متحببة لزوجها.

0 التعليقات:

الحقوق محفوظه الصحة والطبيعة