دليل الحياة الزوجية الناجحة (1)

دليل الحياة الزوجية الناجحة

(1 – 4)


إنَّ رباط العلاقة الزوجيَّة في الإسلام هو من أقدس وأوثَق ما وصَّى الله تعالى به المسلمين، ووصَّاهم به النَّبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولم يترك كتاب الله تعالى، ولا سُنَّة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نقيرًا ولا قِطمير إلَّا وبيَّناه بيانًا لا لبس فيه ولا غموض، (القطمير: قِشْرة رقيقة بيضاء بين النواة والثمرة).

 ومن الملاحظ أنَّ الله تعالى قد أطلق على هذه العلاقة ﴿ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، ولم لا، وهي العلاقة التي سينبني عليها الحبُّ والمودة والرحمة؟

 ومن الملاحظ أيضًا أنَّ هذه الصِّلة قد أطلق عليها "صلة مُصاهرة"، ولِم لا؟ فإن هناك كيانين سيتم صهرهما ليكونًا كيانًا واحدًا في المشاعر والتفاهم وكل شيء.

 ومن الملاحظ كذلك أنَّ هذه العلاقة قد أُطلق عليها "علاقة نسب"، ولم لا؟ فالأنساب ستلتقي وتتقارب وتتوحَّد بمجرَّد إتمام هذا الميثاق الغليظ.

1- ومن بين الآيات التي وردَت في كتاب الله تعالى في هذا الشأن:
 قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
 قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا... ﴾ [النحل: 21].
 قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].
 قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
 قال قتادة: تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن مَعصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيتَ لله معصية قذعتَهم عنها (كففتَهم)، وزجرتهم عنها.

 قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 19 - 21].

 قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ... ﴾ [النساء: 34].

 قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾: يعني: أُمراء عليهنَّ، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون مُحسِنة لأهله حافظة لماله.

 قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].

 قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 128 - 130].

 وهناك الكثير والكثير من الآيات في هذا المجال في كتاب الله تعالى الذي لم يغادِر صغيرةً ولا كبيرة إلَّا جلَّاها وبيَّنها؛ لكي لا يكون للناس حُجة ولا عُذر.

2- وفي سنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم كذلك العديد من الأحاديث في هذا الشأن، نذكر منها:
 عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته))؛ (متفق عليه).

 روى الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّت المرأة خَمسَها، وصامت شَهرها، وحفظَت فرجها، وأطاعت زوجَها - قيل لها: ادخلي الجنَّةَ من أي أبواب الجنة شئتِ))؛ (ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه).

 عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أنفَق المسلم نفقةً على أهله، وهو يَحتسبها كانت له صدقة))؛ (متفق عليه).

 وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجَّة الوداع: ((فاتَّقوا اللهَ في النِّساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن ألَّا يوطئن فرشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلنَ ذلك فاضربوهنَّ ضربًا غير مُبرح، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهن بالمعروف))؛ (رواه مسلم).

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فِراشه، فأبَت، فبات غضبان عليها - لعنَتها الملائكة حتى تصبِح))؛ (رواه البخاري ومسلم).

 عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تؤذي امرأةٌ زوجها في الدنيا إلَّا قالت زوجتُه من الحور العين: لا تؤذيه، قاتلَكِ الله، فإنما هو دخيل عندك، يوشك أن يفارقكِ إلينا))؛ (رواه الترمذي).

 عن أبي أذينة الصدفي، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ نسائكم الوَدود الوَلود المواتية المواسية، إذا اتَّقين الله، وشرُّ نسائكم المتبرِّجات المتخيلات، وهنَّ المنافِقات، لا يدخل الجنَّةَ منهن، إلا مثل الغراب الأعصم))؛ (رواه البيهقي وصححه الألباني)، (الغراب الأعصم: هو الأبيض الجناحين أو الرجلين، وهَذا الوصف قلَّما يوجد في الغربان، وفيه كناية عن قلَّة مَن يدْخل الجنَّةَ منهنَّ).

 عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبِركم بنسائكم من أهل الجنَّة: الوَدود، الولود، العؤود على زَوجها، التي إذا آذَت أو أوذيَت جاءت حتى تَأخذ بيَد زوجها ثمَّ تقول: واللهِ لا أذوق غمضًا حتى ترضى))؛ (رواه الطبراني وحسنه الألباني).

 لما خطب علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمةَ رضي الله عنها قال: ((هي لك على أن تُحسِن صحبتَها))؛ (رواه الطبراني).

 قال أنس رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زفُّوا امرأةً على زوجها يأمرونها بخِدمة الزَّوج ورعايةِ حقِّه".

• والأحاديث النبويَّة في هذا المجال عديدة، وما تركَتْ جانبًا من جوانب الحياة الزوجيَّة إلا بيَّنَته بيانًا لا لبس فيه ولا غموض.

3 - أفضل صِفات الرجال وأبغضها: جاء في أمالي أبي علي القالي ما نصه: حدَّثنا أبو بكر بن دريد، قال: حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانذاني، عن التوزي، عن أبي عبيدة، عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مقاول حمير ابنان يقال لأحدهما: عمرو، وللآخر: ربيعة، وكانا قد برعا في الأدب والعلمِ، فلمَّا بلغ الشيخ أقصى عمره وأشفى على الفَناء دعاهما ليبلو عقولَهما ويعرف مَبلغ علمهما، فلمَّا حضرا قال لعمرو وكان الأكبر: أخبرني عن أحبِّ الرجال إليك، وأكرمهم عليك، قال: السيد الجواد، القليل الأنداد، الماجِد الأجداد، الرَّاسي الأوتاد، الرَّفيع العماد، العظيم الرماد، الكثير الحُساد، الباسِل الذواد، الصادر الوراد.
 قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: ما أحسن ما وصف، وغيره أحب إليَّ منه.

قال: ومن يكون بعد هذا؟ قال: السيِّد الكريم، المناع للحريم، المِفضال الحليم، القمقام الزعيم، الذي إن هَمَّ فعل، وإن سُئل بذل، (القمقام: صفة تُطلق على السيد الكريم، وهي أيضًا من صِفات البحر؛ لأنه يجود بالخيرات).

 قال: أخبرني يا عمرو، أي الرجال أبغض إليك؟ قال: البرم اللئيم، المستخذي للخصيم، المبطان النهيم، العييُّ البكيم، الذي إن سُئل مَنع، وان هُدِّد خضع، وإن طلب جشع.

 قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغَض إليَّ منه، قال: ومن هو؟ قال: النؤوم الكذوب، الفاحِش الغضوب، الرغيب عند الطعام، الجبان عند الصدام.

• قال الشيخ عائض القرني في وصف شرِّ الرجال: بذيء اللِّسان، السبَّاب اللعَّان، لا يعرف إلا الصُّراخ، على نفسه حريص بذاخ، إذا دخل على زوجه ضرَب ولطم، وإذا خرج سبَّ ولَعَن، كأنَّه في حلبة المصارعة، وتغضبه المصارحة، لا يتعامل إلَّا بالوحشية، ولا ترقرقه الكلمة النديَّة، قلبه كالحجَر، وجسمه نار تستعِر، مشاعره متبلدة، وعواطفه متجمِّدة، لا يعجبه العجب، ولا ما يُقدَّم من أجله من التَّعب؛ كالبهيمة، لا همَّ له إلا الجِماع، وملء البطون حتى الإشباع، يجعل السَّكَن الآمن في حالة استِنفار، ويمطره من قنابله المدرار، إذا جاء لم يُفرَح بقدومه، وإذا خرج تمنَّى البيت عدم رجوعه، فهو غير مأسوف على فراقه، ولا مرحَّب بقدومه.

 وسئل حكيم عن أفضل الرجال فقال: مَن حاورتَه وجدتَه حكيمًا، وإذا غضب كان حليمًا، وإذا ظفر كان كريمًا، وإذا استمنح منح جسيمًا، وإذا وعد كان الوعد عظيمًا، وإذا اشتُكي إليه وجد رحيمًا.

 وللحديث بقية في الجزء الثاني من هذا الموضوع بفضل الله تعالى لنتحدث عن:
4- وصية جامعة من الإمام أحمد بن حنبل لابنه يوم زواجه.
5- وصية أب لزوج ابنته قبل زفافهما.
6- وصية الربيع بن خيثم لابنه قبل زفافه.

0 التعليقات:

الحقوق محفوظه الصحة والطبيعة